تعديل

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

$$$$ سكره $$$$ **** النوم والأحلام: أين تذهب عقولنا ليلًا؟*** ديفيد روبسون****

إننا في سبيلنا إلى فهم كيف تشكل عقولنا أحلامنا، ولماذا تحتوي على مثل هذا المزيج العجيب من الأشياء المألوفة والأشياء الغريبة.
رأت ماري شيلي في حلمها طالبًا شاحب اللون راكعًا بجوار جثة ترتعش عائدةً إلى الحياة. أما حلم بول مكارتني فقد تضمن لحن أغنية «الأمس»، بينما استلهم جيمس كاميرون من رؤياه المحمومة سلسلة أفلام «المدمر». أما أنا فعادةً ما أرى في أحلامي أرنبًا ينكمش ويتحول فيما بعد إلى حشرة تقفز في جميع أرجاء المرج وتحت سور الجيران. يسهل البحث عن معنى في هذه الرحلات الليلية؛ بسبب ما فيها من مزيج عجيب من المألوف والغريب. لماذا تذهب عقولنا في هذه الرحلات، ولماذا تحتوي على مثل هذه المنحنيات والمنعطفات العجيبة؟ للأسف بالنسبة للمحللين النفسيين النظريين، تظل محاولات سيجموند فرويد لتفسير أحلامنا محل جدال محتدم. إلا أن أخصائيي الأعصاب وعلماء النفس أحرزوا مؤخرًا تقدمًا كبيرًا في فهم طريقة بناء العقل للأحلام، والعوامل التي تشكل قصصها الاستثنائية. وفي الطريق اكتشفوا إشارات مذهلة إلى أن استخدامنا للتكنولوجيا ربما يغير إلى الأبد طبيعة هذه التجربة الإنسانية الأساسية.
تميل أحلامنا إلى أن تكون كالأفلام الصامتة.
تميل أحلامنا إلى أن تكون كالأفلام الصامتة.
إن أي شخص استيقظ من نومه وهو يشعر بالذهول مما رآه في الحلم وينسى محتواه بمجرد وصوله إلى الحمَّام يدرك صعوبات دراسة مثل هذه الحالة الذهنية سريعة الزوال. تمثلت إحدى أفضل المحاولات لحصر سمات الأحلام في الطلب من المشاركين تدوينها فور استيقاظهم في كل صباح، أو — الأفضل من ذلك — دعوة متطوعين إلى النوم داخل معمل، وإيقاظهم على فترات معينة من الليل وسؤالهم على الفور. أشارت هذه التجارب إلى أن أحلامنا تميل إلى أن تكون كالأفلام الصامتة، يحتوي نصفها فقط على قدر ضئيل من الأصوات. كذلك فإنه من غير المعتاد أن تستمتع بتناول وجبة في الحلم أو تشعر بالعشب الرطب تحت قدميك، فالطعم والرائحة والملمس كلها لا تظهر إلا نادرًا للغاية في الأحلام. وقد حاولت دراسات مشابهة تحديد بعض العوامل التي ربما تؤثر فيما نحلم به، إلا أنها تجد صعوبة في التوصل إلى أي شيء موثوق به. ربما تتوقع أن تُظهر أحلامك شيئًا عن شخصيتك، لكن صفات مثل الانفتاح أو الإبداع لا يبدو أنها تتنبأ بملامح رحلات شخص ما في أرض الأحلام. فأحلام شيلي ومكارتني لا تختلف كثيرًا عن أحلامنا.
يقول مارك بلاجروف من جامعة سوانسي في بريطانيا: «إن أوجه التشابه بين أحلام البشر أكثر من أوجه الاختلاف.» يوحي هذا بأن الرموز الشائعة في الأحلام ربما تعبر عن مصادر قلق ورغبات مشتركة لدى البشر، لكن محاولات التوصل لمثل هذه الرموز محبطة أيضًا؛ فشيء سريالي مثل الأرنب المنكمش — على سبيل المثال — في الغالب لا يكشف عن شيء «لا تعرفه أنت بالفعل»، على حد قول بلاجروف في اقتضاب.
ومن الأساليب الأكثر نجاحًا النظر في نشاط المخ في أثناء النوم من أجل الحصول على معلومات عن كيفية صنع الأحلام. ومن الأشياء المهمة فكرة أن النوم يساعد في تثبيت ذكرياتنا من أجل استرجاعها في المستقبل. فبعد تسجيل حدث ما في الحُصين — الذي يمكن النظر إليه على أنه طابعة الذاكرة البشرية — ينقل المخ محتوياته إلى القشرة، حيث تُحفظ الذكريات من أجل تخزينها لأمد طويل.
دفع هذا بعض علماء النفس، من بينهم بلاجروف، إلى ظن أن عناصر معينة من الذاكرة ربما تظهر في أحلامنا بينما تنتقل المعلومات المختلفة عبر مخنا. ووجد فريقه عند دراسة مذكرات المشاركين عن أحداث الحياة اليومية ومقارنتها بما قَصُّوه عن أحلامهم أن الذكريات تدخل إلى أحلامنا على مرحلتين منفصلتين؛ فأولًا تدخل إلى وعينا في الليلة التالية على وقوع الحدث نفسه، مما قد يعكس التسجيل المبدئي للذكرى، ثم تعود إلى الظهور بعد نحو خمسة إلى سبعة أيام، وهو ما قد يكون علامة على اندماجها في الذاكرة.
ومع ذلك من النادر إلى حد ما ظهور حدث واحد بالكامل داخل حلم، فبدلًا من ذلك تظهر ذكرياتنا تدريجيًّا. يقول باتريك مكنامارا بجامعة نورث سنترال في بريسكوت فالي بأريزونا: «ما يحدث عادةً أن أجزاء صغيرة يعاد دمجها بقصة الحلم.» وربما يعكس ترتيب ظهور العناصر المختلفة طريقة تقطيع الذكرى وعرضها بشكل جديد أثناء عملية الدمج.
توصلت إحدى دراسات مكنامارا — قارنت بين حلم أحد الأشخاص ومذكرات حياته اليومية على مدى شهرين — إلى أن الشعور بالمكان — غرفة مميزة على سبيل المثال — كان أول جزء من الذكريات ظهر في حلم هذا الفرد، تلته الشخصيات والأحداث وأخيرًا الأشياء المادية.
وبينما قد يعمل عقلنا النائم على تثبيت إحدى الذكريات في وصلاتنا العصبية أثناء عملية الدمج، فإنه يستطيع أيضًا تكوين روابط لأجزاء أخرى من سيرتك العقلية، مما يجعلك ترى تداعيات بين الأحداث المختلفة. ربما يعمل هذا على استرجاع ذكريات قديمة وزرعها في أحلامنا، وهو ما يمكن أن يفسر بدوره سبب حلمنا دومًا بأشخاص وأماكن لم نرَها من شهور أو حتى سنين. وربما يكمن هذا أيضًا وراء الحالات الغريبة من الخطأ في الهوية في أثناء الحلم، عندما تبدو الأشياء أو الأشخاص على صورة معينة، ثم تتخذ شكلًا آخر أو شخصية أخرى، مثل الأرنب الذي يتحول إلى حشرة الذي يطارد أحلامي. يقول مكنامارا: «إن هذا من تبعات الطريقة التي يدمج بها العقل العناصر المختلفة.»
إن أحلامنا بالطبع تزيد عن كونها مجرد مجموعة من الشخصيات والأشياء، فهي مثل الأفلام أو الروايات تحكي قصصها بأساليب مختلفة — قد تتراوح بين تتابع سخيف غير مرتب للأحداث وبين رؤية شعرية مكثفة. ويبدو أن تياراتنا العاطفية الخفية هي القوة الموجهة هنا. درس إرنست هارتمان — الطبيب النفسي بجامعة تافتس في ميدفورد بماساتشوستس — يوميات أحلام بعض الأشخاص الذين عانوا مؤخرًا من تجربة شخصية مؤلمة أو حزن شديد، فوجد أن هؤلاء يزيد احتمال حصولهم على أحلام مفعمة بالحيوية والنشاط تركز على صورة مركزية واحدة، بدلًا من سرد ملتوٍ. كذلك فإن مثل هذه الأحلام يزيد احتمال تذكرها عن تلك التي توجد في الأوقات الأخرى الأكثر هدوءًا.
لماذا تحدد مشاعرنا شكل أحلامنا على هذا النحو؟ يعتقد هارتمان أن هذا ربما يعكس أيضًا عمليات خفية تدور في الذاكرة، فمشاعرنا في النهاية معروفة بأنها توجه أي الذكريات التي نخزنها ثم نتذكرها فيما بعد. ربما تكون الصور المكثفة إشارة إلى مدى صعوبة دمج حدث مؤلم مع باقي سيرتنا الشخصية الذاتية. وربما تساعدنا النتيجة في تقبل هذا الحدث والتعامل معه. يقول هارتمان: «أظن أن هذا يصنع صدمة جديدة أقل إيلامًا»، رغم أنه اعترف دون تردد بأن فرضيته هذه يصعب إثباتها. ورغم هذه التطورات، تظل هناك الكثير والكثير من الألغاز، وعلى رأسها التساؤل عن الهدف من الأحلام؛ فهل هي مهمة من أجل حفظ ذكرياتنا، على سبيل المثال، أم أننا نستطيع تخزين أحداث حياتنا دون الحاجة إليها؟ يقول مكنامارا: «لا يوجد إجماع على هذا السؤال.» إلا أنه يقول إن فهمنا لمصدرها يمدنا بفهم أفضل للوعي بوجه عام.
ثم إن هناك تأثيرًا لنمط حياتنا على وعينا في فترة الليل؛ إذ توجد بعض الأبحاث التي تشير إلى أن التليفزيون ربما قد سبب تحولًا كبيرًا في شكل ومحتوى أحلامنا (انظر «صورة أحادية اللون أم متعددة الألوان؟») وإذا كانت مشاهدة التليفزيون لبضع ساعات في اليوم يمكنها أن تغير طبيعة أحلامنا، لك أن تتخيل ما تفعله علاقاتنا القوية بأجهزة الكمبيوتر. وجدت إيفا مورجين بجامعة ديربي بالمملكة المتحدة — على سبيل المثال — أن الأشخاص الذين يشاركون في لعبة تقمص الأدوار «وورلد أوف ووركرافت» على شبكة الإنترنت يُدخلون واجهة المستخدم الخاصة باللعبة في مغامراتهم الليلية.

كوابيس مذهلة

وجدت جيني جاكينباخ — من جامعة جرانت ماك إيوان بإدمونتون في كندا — نفسها مدفوعة إلى التحري عن الأمر بسبب ممارسة ابنها لألعاب الفيديو، واكتشفت أن اللاعبين قد بدءوا يبلغون عن شعور أكبر بالتحكم في أحلامهم بسبب الإحساس بأنهم مشاركون فعالون داخل واقع افتراضي. وهي تشير إلى أن ممارسي ألعاب الفيديو يزيد احتمال محاولتهم للمقاومة عندما يحلمون بعدو يطاردهم، على سبيل المثال. والغريب أن هذا التفاعل يبدو أنه يجعل أحلامهم أقل
رعبًا وأكثر إثارة. تقول جاكينباخ: «إنهم يقولون أشياء مثل: «كان هذا كابوسًا، لكنه كان مذهلًا». فهذه الكوابيس تبث فيهم النشاط والحيوية.»
إذا كنت تسعى للحصول على ليلة أكثر هدوءًا، فربما ينبغي لك الاستفادة من أبحاث هيرفي دي سانت دينيس، أحد الباحثين الأوائل في الأحلام خلال القرن التاسع عشر، والذي اكتشف أن روائح معينة يمكنها توجيه أحلامه. وحتى يمنع توقعاته الشخصية من التغطية على النتائج، طلب من خادمه نثر بضع قطرات من العطر على وسادته في ليالٍ عشوائية وهو نائم. وبالفعل وجد أن أحلامه قد وُجهت إلى أحداث مرتبطة بهذه الرائحة على وجه التحديد. وبوجه عام، أكدت دراسات حديثة أن الروائح الجميلة يمكنها أن تسبب أحلامًا إيجابية من الناحية الشعورية.
إذن مرة أخرى، إذا كنت مثلي فربما تفضل ترك اللاوعي يوجه رحلاتك الليلية، فعلى الرغم من أن الأحلام يمكن أحيانًا أن تكون مقلقة ومزعجة، فإن ما بها من غموض هو ما يجعلها ساحرة.

صورة أحادية اللون أم متعددة الألوان؟

ظهرت أفكار قوية مفادها أن التكنولوجيا توجه أحلامنا نتيجة للتقارير المحيرة في فترة الخمسينيات من القرن الماضي التي ذكرت أن معظم الأشخاص يرون الأحلام باللونين الأبيض والأسود. فلماذا؟ الغريب في الأمر أن هذا قد تغير على مدار العقد التالي، وفي أواخر فترة الستينيات عادت أحلام معظم الناس في الغرب ملونة مرة أخرى. ما الذي يمكن أن يسبب هذا التحول؟ تُرجع إيفا مورجين — من جامعة ديربي بالمملكة المتحدة — هذا إلى تغير البث التليفزيوني؛ فقد تحول التليفزيون إلى الألوان تقريبًا في الوقت نفسه الذي خرجت فيه أحلام جيل بأكمله من نطاق تدرج اللون الرمادي. والمثير للاهتمام أنها وجدت أن الاختلاف ما زال قائمًا حتى يومنا هذا؛ فالذين ولدوا قبل ظهور التليفزيون الملون لا يزال احتمال إبلاغهم عن أحلام بالأبيض والأسود أكثر ممن ولدوا بعد ذلك (كونشَسنِس آند كوجنيشَن، مجلد ١٧، صفحة ١٢٢٨).

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More