تعديل

السبت، 7 ديسمبر 2013

الأحساس بالظلم :آثاره النفسيه والاجتماعية والدينية على الفرد والمجتمع ( رؤية نفسية لايجابية المقاومه والارادة ) بقلم د: أيمن غريب قطب ناصر



هل هناك اقسى من الشعور بانك مظلوم ؟ لا اجد هناك من المشاعر النفسية والاجتماعية ما يمكن ان اصف بها مشاعر الانسان الذى يعانى من الظلم او عانى منه لفترات من حياته وتركت آثارها النفسية المريرة على نفسه وفى ذاكرته مما لا يمكن لعوامل الزمن او غيرها ان تمحوها وتمحو تداعياتها السلبيه على سلوك الفرد وتصرفاته بل وعلى شخصيته .والشعور عملية نفسية قوامها الوعي و الإدراك و المعرفة و من ثمة فهو خاص بالإنسان وحده . أما الظلم فمفهوم واسع يختلف عن قضية الشعور بالظلم . واذا اردنا ان نحدد مفهوم الظلم فهو التجاوز على حقوق الآخرين وسلبها كليا أو جزئيا، وهو وجود موضوعي مستقل عن الوعي البشري أما الشعور بالظلم نفسه فهويتركز فى عي الإنسان بالوجود الموضوعي للظلم ، وهذا الوعي لا يتحقق بصورة آلية ولمجرد تولد الظلم ، وإنما يرتبط تحققه بشروط معرفية وزمنية وتاريخية وهذا ما يساعد على خلق أبعادا نفسية وذهنية تنشط السلوك الخارجي البدني أو الجسدي نحو سلوك ايجابى او سلبى نحو الذات او الاخرين او كلاهما معا!!. والإنسان عندما يتعرى من الأخلاق والقيم والقانون والأديان والمذاهب الروحية الإنسانية والعقلية يتفنن في ترسيخ هذاالشعور بالظلم عند الآخرين مما يترك آثارا نفسية مدمرة على حياة الفرد والمجتمع الذى يعيش فيه !. ومن الناحية الدينية فقد حرمه الله وحرمه على الناس، فقال الله فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا } [رواه مسلم].
وعن جابر أن رسول الله قال: { أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم } [رواه مسلم].
وهناك انواع من الظلم :النوع الأول: الكفر بالله، ذكر القرآن:(وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظالِمُونَ) [البقرة:254]. ويكون بالشرك في عبادته وذلك بصرف بعض عبادته لغير الله، قال عز وجل: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13].
النوع الثاني: ظلم الإنسان نفسه، وذلك باتباع الشهوات وإهمال الواجبات، وتلويث الانسان نفسه بآثار أنواع الذنوب والجرائم والسيئات، من معاصي لله ورسوله. قال جل شأنه: (وَمَا ظلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظلِمُونَ) [النحل:33].
النوع الثالث: ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته، وذلك بأكل أموال الناس بالباطل، وظلمهم بالضرب والشتم والتعدي عليهم والتطاول على حقوقهم المختلفة، والظلم يقع غالباً على الضعيف الذي لا يقدر على الانتصار. وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: والظلم عند الله ـ عز وجل ـ يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئاً، وهو الشرك به، فإن الله لا يغفر أن يُشْرَك به وديوان لا يترك الله ـ تعالى ـ منه شيئاً، وهو ظلم العباد بعضهم بعضاً، فإن الله ـ تعالى يستوفيه كله وديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه ـ عز وجل ـ، فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محواً، فإنه يُمحى بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفــرة، ونحــو ذلك. بخلاف ديــوان الشـرك؛ فإنه لا يُمحى إلا بالتوحيد. وديوان المظالم لا يُمحى إلا بالخروج منها .
والظلم له اثار سيئة على النفس البشرية , فالشعور بالظلم يرهق النفس ويؤدي الى الاحساس بالحسرة والمرارة , وقد يؤدي الى الاكتئاب او غيره من الاضطرابات النفسية , خاصة حينما يجد الانسان نفسه مقهورا مغلوبا على امره , غير قادر على رد الظلم عن نفسه .وليس بالضرورة ان يكون الظالم كبيرا من الكبراء او ذوي المراتب العليا والنفوذ والسلطان ولكن قد يقع الظلم من عامة الناس بعضهم لبعض , فيأكل احدهم حقا او يشهد وقد يعجز المظلوم عن دفع الظلم عن نفسه ,فيسري في نفسه شعورا بالمرارة والاسى وقد يستمر هذا الشعور ليتحول الى اضطراب يتناسب مع حجم الشعور بالظلم. واللجوء الى الله يقي الانسان من الاضطراب , لان المؤمن وثيق الصلة بربه , يكون قويا في طلب حقه , وقد يُدخل الله الرعب في نفس الظالم , فيسعى الى رد حقه المغتصب , فاذا لم يتمكن من استرداد حقه فهو على يقين ان الامر لن ينتهي عند ذلك الحد او ان الظالم لا بد ان يلقى جزاءه في الدنيا والاخرة , وليس بالضرورة ان يكون التعويض مباشرا , فقد يخسر الانسان شيئا , فيعوضه الله في شيء اخر والمظلوم يكون في حاجة الى التنفيث عما بداخله , وتصريف تلك المشاعر المتأججة في ذاته , وهنا يأتي دور الدعاء , فان له دورا خطيرا , وخاصة دعوة المظلوم , اذا كان المظلوم صالحا تقيا , يخشى الله ورسوله , قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( واتق دعوة المظلوم , فانه ليس بينه وبين الله حجاب ) صحيح البخاري .وقال صلى الله عليه وسلم : (ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) الترغيب والترهيب. فحينما يتوجه الانسان الى الله بالدعاء , فاما ان يعجل له ما سأل , واما يدخر له افضل مما سأل , او يدفع عنه من السوء والشر مثله , وهكذا يكون المؤمن في مأمن من الاثار السيئة للشعور بالظلم , فهو بايمانه في حصن حصين. وعلى الجانب الاجتماعى فان الظلم الاجتماعي والاقتصادي والدولي يتحول إلى ثقافة سوداء قهرية وكراهية وحقد قد تزداد مع الزمن و ترسم ثقافة عبثية وغير واعية مرتبطة بأشكال مفزعة من اللاوعي والعجز المكتسب والإحباط الذي يدفع للتضحية بكل شيء، وفي المقابل يخلق أنماطا من سلوكيات العدوان والعنف والخلل النفسي والسادية لا تعبر عن ذاتها بالعنف المباشر وحسب، بل في العنف الأسري والاجتماعي والفساد والترهل الوظيفي والتعليمي والهشاشة السياسية والإرهاب . تخلق ثقافة تدميرية غير مبالية بالأرواح والبنيان و عدم القدرة على الانتماء مما يبيح الخيانه. والشعور بالظلم طريق لهدم جسور الحوار والتسامح والمحاوره. الشعور بالظلم غربة مهما زاد التضخم السكاني وحركة السياحة والمال والعلاقات لأنه غرس في النفس وأنتج عقد النقص وأغلق بعض الترابطات والتشابكات العصبية بالدماغ وهذه حقيقة في علم أعصاب الدماغ فالمهزوم تقل تشعباته العصبية حتى عند الحيوان نفس الحالة . بالشعور بالظلم يتعرض الإنسان لنوبات قلبية ونفسية واجتماعية رهيبة . لقد أثمر الشعور الظلم في المجتمعات الغربية والعربية أجيالاً رافضة وأخرى غير منتجة اغتربت وانسحبت من الحياة وأصبحت ظاهرة مرضية وثقيلة والمزيد من التطرف الفكري والانحراف الأخلاقي والجريمة المنظمة والفردية . والظلم الاجتماعي لن يثمر غير بيئة مواتية لكل صنوف الخلل المجتمعي والانزلاق إلى هاوية يفقد فيها المرء كل ما يربطه بمجتمعه من قيم بناءه كما قد يؤدى الى ثورات شديدة على كل انواع الظلم والظالمين بل قد يتعدى ذلك الى ما هو اكبر من ذلك بكثير واكثر تأثيرا كما قد حدث فى ثورا الشعوب المختلفة على كل انواع الظلم والطغيان والديكتاتوريه والحكام الظالمين الفاسدين وذلك كله نتيجة لوصول القهر النفسى الى نقطة الذروه ومشاعر الانفجار . وقد يكون احد طرق الخروج من كل ذلك ان يرفع المظلوم يديه إلى السماء وسوف يأتيه الرد من الملك العزيز الجبار الله سبحانه وتعالى مباشرة وليقول يا رب أغلقت الأبواب إلا بابك وانقطعت الأسباب إلا إليك ولا حول ولا قوة إلا بك يا رب اللّهم إنّي ومن ظلمني من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرّنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرّنا وعلانيتنا ، وتطلع على نيّاتنا، وتحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، ولا ينطوي عليك شيء من أمورنا، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا، ولا لنا منك معقل يحصننا، ولا حرز يحرزنا، ولا هارب يفوتك منّا. . 
اللهم ان الظالم مهما كان سلطانه لا يمتنع منك فسبحانك أنت مدركه أينما سلك، وقادر عليه أينما لجأ، فمعاذ المظلوم بك، وتوكّل المقهور عليك، أستغيث بك بعدما خذلني كل مغيث من البشر، وأستصرخك إذا قعد عنى كل نصير من عبادك، وأطرق بابك بعد ما أغلقت الأبواب المرجوة، اللهم انك تعلم ما حلّ بي قبل أن أشكوه إليك، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً. 
يا رب ها أنا ذا يا ربي أسير سجين في يدي الظالم، مغلوب مبغيّ عليّ مظلوم، قد قلّ صبري وضاقت حيلتي، وانغلقت عليّ المذاهب إلاّ إليك، وانسدّت عليّ الجهات إلاّ جهتك، والتبست عليّ أموري في دفع مكروهه عنّي، واشتبهت عليّ الآراء في إزالة ظلمه، وخذلني من استنصرته من عبادك، وأسلمني من تعلّقت به من خلقك ً وغدر بي وطعنني القريب الصديق، فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً، عالماً أنّه ﻻ فرج إلاّ عندك، ولا خلاص لي إلاّ بك، انتجز وعدك في نصرتي، وإجابة دعائي، فإنّك قلت وقولك الحق الذي ﻻ يردّ ولا يبدل: ( وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ ) وقلت جلّ جلالك وتقدّست أسماؤك: ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وإنّي لأعلم يا رب أنّ لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، وأتيقّن أنّ لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، لأنّك ﻻ يسبقك معاند، ولا يخرج عن قبضتك أحد، ولا تخاف فوت فائت، ولكن ضعفي ﻻ يبلغ بي الصبر على أناتك وانتظار حلمك، فقدرتك يا ربي فوق كلّ قدرة، وسلطانك غالب على كل سلطان، ومعاد كلّ أحد إليك وإن أمهلته، ورجوع كلّ ظالم إليك وإن أنظرته رب اللهم عليك بمن ظلمني اللهم اسقم جسده، وانقص أجله، وخيّب أمله، وأزل ظلمه، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكّه من حزنه، وصيّر كيده في ضلال، وأمره إلى زوال، ونعمته إلى انتقال، وجدّه في سفال، وسلطانه في اضمحلال، وعافيته إلى شر مآل، وأمِتْه بغيظه إذا أمتّه، وأبقه لحزنه إن أبقيته، وقني شرّه وهمزه ولمزه، وسطوته وعداوته، فإنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً يا رب الظالم ملك أسباب القوة في الدنيا وأنا عبيدك لا أملك إلا إيماني بك وتوكلي عليك ودعائي يا رب ان الظالم جمع جنده وسلاحه وسجونه وزنازينه ومنع عنى الأهل والأحباب وتركني في ظلمة الزنزانة على الأرض والتراب وأنا عبيدك جمعت له ما استطعت من الدعاء يا رب تمنيت لمن ظلمني الهداية والتوبة وتمنى هلاكي وتدميري ولا حول ولا قوة إلا بك. فمن يا رب على دعوة عبيدك المسكين الفقير بوعزتى وجلالك لأنصرنك ولو بعد حين...اللهم نصرك يا قوى يا عزيز يا جبار يامنتقم.اللهم آمين يا الله يا الله ياالله.
و على الجانب الايجابى ايضا من هذا السلوك تجد ان الشرع حرم الاعتماد والإتكال على الظالمين، كما قال تعالى:(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) هود: 113. وذلك لأن الركون إليهم يسبب: 
أولاً:تقويتهم، وهي توجب توسع دائرة الظلم، حتى أن الإنسان لا يجوز له –مع وجود حاكم الشرع- الرجوع إلى القاضي الظالم حتى لاستنقاذ حقه، وفي الحديث الشريف (التحاكم اليهم تحاكم إلى الطاغوت). 
ثانياً:يؤثر في ثقافة الاجتماع ويوجب رفع قبح الظلم ويشوق الناس إليه، لأن الناس عادة يبتعدون عن الشيء القبيح حفظاً على كرامتهم، لكن الشيء إذا فقد قبحه أو صار محبباً فإن الكثيرين سيرتكبونه، وهكذا المحرمات إذا كانت في المجتمع قبيحة فإن المجتمع يبتعد عنها، لكنها إذا تحولت إلى أمر عادي أو أمر محبب فإن ضعاف الإيمان يمارسونها مما يستلزم شياعها وانتشارها ولذا حرمت إشاعة الفاحشة وأي أمر يؤدي إليها، حتى إن الفقهاء ذكروا أن الإقرار بالذنب أو ذكر الإنسان لما ارتكبه من المعاصي يعتبر من المحرمات لاندراجه تحت عنوان إشاعة الفاحشة، وذلك لأنه يكسر الحاجز النفسي بين الناس وبين المعصية. وهكذا الركون إلى الظالم يوجب زوال قبح الظلم وإشاعته. 
ولذا فإن القرآن الكريم يحث الناس على مقارعة الظلم وعدم الخوف من الظالمين، قال تعالى:(إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني) البقرة: 150، فينبغي أن لا يخاف من الظالم بل يخاف من الله تعالى فيطيعه حينما يأمره بترك الظلم ومحاربته. كما إن الإسلام يأمر بفضح الظالم والمجاهرة ضده، لأن ذلك يوجب بقاء قبح الظلم ولعله يوجب ارتداع الظالم عن ذلك الظلم أو عن توسيع دائرة الظلم. 
وفي القرآن الكريم: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) النساء: 148. وكما أنه يجب مقارعة الظلم كذلك يجب نصر من يحارب الظلمة قال تعالى في صفات المؤمنين: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) الشورى: 39، أي يطلبون النصر من المؤمنين. وذلك يستلزم النصر وإلا كان لغواً. 
وكما يحرم الركون إلى الظالمين، كذلك يحرم الدفاع عنهم وفي القرآن الكريم (قال رب بما انعمت عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين) القصص: 17،وقانا الله واياكم شر الظلم والظالمين.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More