يلاحظ ان الكثيرون من الناس يعيشون حالة غريبة من الاكتئاب، يشوبها شيء من الحذر والعدوانية. أو أنهم يعيشون في حالة من فقدان جزئي للذاكرة، أوالانشغال بالتفكير الدائم. وقد يظن البعض أن الأمر مجرد لحظات قلق عابرة ، لكنه قد يكون حالة إحباط تصل إلى حد الانهيار النفسي العصبي. فالانهيار الحقيقي ليس مجرد حالة عرضية، إنها حالة من الحزن الشديد تقتحم كل الخلايا الحية للشخص وتسيطر على أعصابه، وتفكيره وذاكرته، ليفقد بعدئذ طعم الحياة.
بالنسبة للشخص المحبط والمكتئب فإن الحياة تفقد بريقها مثلما تفقد ألوانها، والشخص الذي يتعرض للإحباط الشديد يكون في حالة لا يستطيع بعدها التحكم في تصرفاته ولا في مشاعره، ليغرق في النهاية في حزن شديد كأمر لا مفر منه، ويحدث هذا ودائما نتيجة للتفاعل بين الظروف المحبطة والفرد والتي تساهم في خلق حاله من الركود والتدهورومشاعر من الاحباط لديه تتزايد مع الوقت خاصةحينما لا يجد من يساعده على ذلك فعندها يتحول هذا الاحباط الى انهيار نفسي.
وهناك من يعتقد بان هذا الانهيار ما هو الا حالة عرضية والحقيقة غير ذلك بان هذا الانهيار جاء نتيجة لتراكم الحزن والياس الذي احاط بالفرد وتعرض من خلاله لضغوط اجتماعية ونفسية وشمل وسيطر على جميع شخصيته وخلاياه العصبية بحيث اصبح ينظر الى الحياة بانها لاطعم لها واصبح عاجزا عن التحكم بانفعالاته ومشاعره واعصابه ، وفقد السيطرة على توتره .
وقد يكون هذا الانهيار مرتبط بما يحمله الفرد من شعور سلبي داخلي وبشعور الفرد انه تحت وطأة مصاعب الحياة التي يعيشها لا يسطيع تحملها و على الجانب الآخرعدم تعاطف اجتماعي وانهيار في الاخلاق ، كما قد يصاحبه ميكانزمات جسمية نفسيه عاجزة عن التأقلم معها ،وعندها يتعرض للانهياره الشديد يساهم ذلك في تغيير مسيرة حياته او اصابته بامراض خطيرة او موته كما انه قد يتعرض المجتع ايضا للانهيار الحضاري والوجودي نتيجة الانهيار الاخلاقى.
الانهيار العصبي والنفسي يعني ايضا حالات الاكتئاب الشديد التي ينعزل بعدها الإنسان ويكون غير فعّال، هذه كلها مفاهيم مختلفة لدى بعض الناس؛ ولكن المفهوم الشائع هي حالات الإنهاك النفسي الشديد التي تصيب الإنسان حين يواجه مواقف قد تكون شديدة بعض الشيء، وهذا بالطبع يعتمد على الإنسان، وعلى الحدث نفسه، وعلى الظروف المحيطة بالإنسان، وكذلك كمية الدعم التي يجدها من الآخرين، وكذلك المؤازرة والمساندة التي تتوفر لمواجهة مثل ذاك الموقف خاصة اذا ما كان المجتمع نفسه يعاني من خلل اخلاقي بين.
وحين يصاب مجتمع بالشلل الأخلاقى؛ فإنه يفقد فاعليته العقلية والاجتماعية، مع أن إمكاناته الحضارية قد تكون فى نمو وتوسع فالخلق الكريم يمنع صاحبه من الإضرار بنفسه أو بمجتمعه، إن أعظم المعارك يتم خوضها وحسمها داخل النفس، ففيها تصنع الانتصارات والهزائم الكبرى، وأساس النجاحات الشخصية نجاح خلقى فى المقام الأول، فالأخلاق سبب للسعادة فى الدنيا، فصاحب الخُلق الحسن يحب الناس ويحبونه، ويتمكن من إرضاء الناس فتلين له المصاعب، وينجح فى أعماله ووظائفه، ويترقى بسببها لأعلى الدرجات، وحُسن الخُلق سبب لأعلى الدرجات فى الآخرة، ففى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أقربكم منى مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا»، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون، وما من شيء أثقل فى ميزان العبد من حُسن الخُلق وحُسن الخُلُق سبب لصلاح المجتمع وسعادته، بل هو من أهم عوامل قوة الأمة ورفعتها، كما أن انتشار الأخلاق الذميمة فى مجتمع ما سبب لفساده وانهياره، والباحثون يعدون العامل الأخلاقي عامل نمو وحفاظ على الحضارات وعليه فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتقدم خطوة للأمام مادامت أخلاقنا دائماً خطواتها للوراء.
ويعرف الوهن النفسي العصبي في الموسوعة النفسية الويكوبيديا بال(neurasthenia) هو الشعور الذاتي والمستمر بالانهاك والضعف العام والإعياء والتعب المصحوب بأعراض عضوية متنوعة ينتهي إلى حد الانهيار، إنه بمثابة تعب مزمن يحدث اضطرابا في سلوك الفرد وعضويته. وأول من استخدم هذا اللفظ هو العالم الأمريكي بيرد (Beard) وجعله يشمل عددا كبيرا من الاضطرابات العصابية والعضوية، ثم يطلق على معظم أعراض العصاب التي يظن أنها ناتجة عن ضعف نفسي، وقد وصفه (جانيه) بأنه يشبه القلق والوساوس المتسلطة مضافا إليه الوهن والضعف في الطاقة النفسية للفرد على حد تعبيره.
ومما لا شك فيه ان الأخلاق هي حال للنفس أو هيئة لها تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر دون روية أو تكلف ، فإن كانت هذه الأفعال حسنة كانت الأخلاق حسنة ، وإن كانت الأفعال سيئة كانت الأخلاق سيئة ، لأن الأفعال تصدر عن هذه الحال . وكما يقال : كل إناءٍ بما فيه ينضح ويتعكس هذا بلا شك على المجتمع كله. والأديان السماوية قد حددت مجموعة المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني ، سواء في تنظيم الإنسان حياته مع نفسه أو في تنظيم حياته مع غيره.
وقد اضحى للفسادِ قوة جذب خطيرة وقوية، اكتسبت هذه القوة والجاذبية، من كثرةِ العوامل الإفسادية والانحرافية الطَّاغية، السائرة في خط متواز مع التنشئةِ الاجتماعية؛ في الأسرةِ والمدرسة والإعلام والمجتمع، فيجد المرءُ نفسَه متورطًا فيها، يصعبُ عليه التخلص منها، فالفسادُ قد يسكن المجتمعَ على نحوٍ عجيب،لقد غدا الفسادُ صناعةً من الصِّناعات، لها مهندسوها، وتقنيوها، وشركاتها، ومجالاتها، وتقنياتها، وعلمها، ومنظروها، وفلاسفتها؛ يبرعون فيها، ويطوِّرون قدراتِهم كلَّ وقتٍ وحين، ليكونوا دائمًا على أُهبة الاستعداد، فالقدرةُ على التغييرِ ليست سهلة كما نتصوَّر؛ لأنَّ الإرادةَ وحدها غير كافية، نحن في زمنٍ كادت تُمحى فيه ثقافةُ الأيديولوجيات والتمذهبات، لتحلَّ محلَّها ثقافةُ الصفقات؛ ،والمعلوم أنَّ تلك الصفقات لا تُراعي مسألةَ الحلال والحرام، والحق والباطل، والأساس فيها المصلحةُ والرِّبح المادي في العاجلِ والآجل ،وتسهم هذه الثقافةُ المنحلة عن الدِّين والفضيلة في الانهيارِ الأخلاقي وانحلال السُّلوكِ البشري عن أي ضابط، إلا ضابط المنفعةِ الخالصة، دون اي مراعاة لاي من الخُلقَ والدِّين.
إن المجتمعات الغربية ونحن نحزو حزوها تغرق في بحر من الفساد الاخلاقى بكل صوره، فالتقارير التي ترِدُ من فأوضاع المرأة والأسرة في حالات من التفكك تعانيه منذ سنوات مما قد يؤدي إلى الزوال المحقق. فلم تعد الأسرةُ لها قيمة في المجتمع الغربي رغم انهاهي الخليةَ الأساسية للحياة الاجتماعية والمدرسة الأولى للتنشئة الاجتماعية والتربية الأخلاقية للأطفال، كما أن المرأة الغربية لم تعد دائماً هي الأم، بعد أن خضع المجتمع الغربي لرجة اجتماعية وأخلاقية ونفسية رهيبة حولته إلى مجتمع مهلهل فارغ من الروابط الإنسانية والدفء والألفة، واجتاحته سمومُ المادية والإباحية والقلق النفسي والضياع الاجتماعي، فالفلسفاتُ المادية، ومفاهيمُ الحرية المفتوحة على مصاريعها، وافتقاد الضوابط الأخلاقية والإنسانية، زلزلت العلاقاتِ بين المرأة والرجل، وأدخلت معاييرَ فلسفيةً وأخلاقية جديدة لدى الفرد في رؤيته لنفسه وللجنس الآخر.
هناك بلا ادني شك رابط قوي وعلاقة قوية بين الانهيار النفسي والانهيار الاجتماعي لأفراد المجتمع ،واذا اردنا صلاح الاثنين معالا بُدَّ لنا ولأمَّتنا من البداية الصحيحة لطريق الهداية و العودة الى طريق الحق والإسلام، حتى تثبت أقدامنا، وتنصلح احوالنا والهدى، بترسيخ عقائدها، وتهذيب أخلاقها، وتحكيم شريعتها، وحتى ترفع ألويتها، وتعيد مجدها وحضارتها، وإن بداية الهداية، وأصل التغيير والإصلاح لا تأتي من الخارج، كلاَّ، بل من الداخل؛ وهذا مصداق قول الله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وإن هذه البداية والعودة تقوم على أنه يجب على كلِّ مسلم الإذعان لله ورسوله، والاعتقاد بوجوب التزام الكتاب والسنة، ووجوب متابعة هدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم في كل حياتنا - كما قال - تعالى -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
0 التعليقات:
إرسال تعليق