لقد لاحظت من خلال عملي في مجال الارشاد النفسي أن معظم المشكلات موضع القراءة و الاهتمام و التي تستقطب انتباه القراء و تثير اهتمامهم تلك التي تدور حول الإشباع العاطفي و الجنسي و المشكلات المترتبة عليهما .
كما لاحظت خلال عملي في مجال التدريس الجامعي و الإرشاد النفسي و الاجتماعي أن هناك إقبالا بل تهافتا لدى الشباب و الناس بوجه عام و شغف بمثل هذه الموضوعات . و قد كنت أثناء محاضراتي عندما أجد اهتمام الطلاب بدأ في الفتور حالما أثير مثل هذه المواضيع و أطرحها للنقاش أو أشير إليها تستأثر المحاضرة بالاهتمام و يستيقظ النائم وينتبه الجميع و تصبح المحاضرة في حالة توهج و اشتعال !! .
و قد أثيرت في الفترات الأخيرة مشكلات متعلقة بهذا الموضوع لدى الرأي العام هنا و هناك على امتداد منطقتنا العربية ،مثل مشكلات الاختلاط لدى الشباب و العلاقات العاطفية و الزواج و الطلاق العاطفي و العقد النفسية و الانفعالية والانحرافات الجنسية .
لقد كان الحب و موضوعاته في معظم مجتمعاتنا العربية منطقة محرمة لا يستطيع كاتب أو محلل أن يقترب منها دون تحفظ أو ملام . و يمكن القول أن سحب و غمائم الرياء الاجتماعي قد بدأت تنقشع حتى أن المرأة نفسها صارت تتناول و تكتب في مثل هذه الموضوعات سواء في الكتب أو الجرائد والمجلات ووسائل الإعلام وتعرضها بكثير من العمق و الصراحة .
إن الحب قضية إنسانية من حق الرجل و المرأة و الشباب و الأطفال أن يناقشوها بصراحة و حرية لأنه حاجة إنسانية لابد من إشباعها .
و بداية هل يصح القول أن الحب الجنسي هو الأصل ؟ أو هو الذي ترتد و تدور حوله أشكال الحب الأخرى ؟ و هل الحب مجرد عاطفة أم هو فعل عرفان ؟ أم هو نزوع نحو القمة ؟ أم هو شيء آخر غير ذلك كله ؟ وهل هو يقوم على التباين و الاختلاف أم على التشابه و الائتلاف ؟ و هل يمكن القول أن الحب مجرد امتداد لحالة الأنانية أم أن هناك علاقة بينه و بين حب الذات ؟ و هل صحيح أن حب الأم هو أصل صور الحب ؟ و هل يدوم الحب أم لابد من أن يأتي له يوم فيه يموت ؟ بمعنى آخر هل تجربة الحب تبغي لنفسها الخلود لكنها لا تعيش سوى عمر الورود ؟ و هل الحب أعمى أم مبصرا ؟ و هل لابد أن يكون الإنسان محبا و محبوبا ؟ و هل يرتبط الحب بالسلم و السلام الداخلي و الخارجي ؟ أم هو صراع غرامي ؟
كل تلك الأسئلة يأخذ بعضها برقاب البعض لتكون ما يمكن أن نطلق عليه إشكالية الحب و العاطفة .
وقلما نجد كلمة الحب دونما أن تلحق بها صفة أو تابعا أو مضافا إليه أو موضوعا ،فترانا نتحدث مثلا عن ربيع الحب و خطيئة الحب و صراع الحب و جنون الحب و جمال الحب و زوال الحب ...
كل ذلك إنما يدل على أن الحب تجربة إنسانية تحتاج دائما إلى موضوع تنصب عليه و حوله ابتداء من حب الطعام حتى حب الله . كما تتعدد مواضع التناول أو اللغات في تناول موضوع الحب فهناك اللغة الشعرية واللغة الأخلاقية و الدينية و اللغة الاجتماعية ...
وعلى سبيل المثال اللغة الأخلاقية و الدينية وهي التي يستخدمها الوعاظ و رجالات الدين بشكل معين فنجدهم فيها يربطون بين الحب و الخطيئة بشكل عام و الناطقون بهذه اللغة لا يكادون يرون الحب إلا من خلال جانبه المحرم فهم يعدونه انحطاطا حيوانيا أو غريزة جنسية وضيعة أو ميلا بهيميا دنيئا و من ثمة لا يكفون عن الإشارة إلى دناءته و حقارة و وضاعة الشهوات و اللذات و خسة المتعة الجنسية .
و كثيرا ما يقصرون النظر إلى الحب على الوصف أو الفصل الجسمي المحض فنراهم يستهجنون الإسراف فيه و الانكباب عليه و الانصراف إليه .و كأن الإنسان عندما يحب لابد أن يكون شهوانيا . و من ثمة نجد أصحاب هذا التوجه يتجهون دائما إلى لغة الحلال و الحرام . فالحب لديهم ينصب على الموضوع لا على الأشخاص و هم ينظرون إلى الحب من خلال النظرة للروح على أنها تجسدت في بدن و ليس العكس . كما يتجاهلون الحاجة إلى الاكتمال و الانفعالات و دورها في حياة الفرد و الحرية الشخصية و الاجتماعية و غيرها من عناصر الموقف المشكلة للحب و تركيبته .
و كثيرا ما نجد أمثال هؤلاء يربطون بين الحب و الطهارة الجسمية و الروحية والنظر إليها من خلال التركيز على الوظائف الجنسية مع أن التجربة البشرية تشهد بأنه قد يكون الحب دون جنس كما قد يكون هناك جنس بلا حب بالطبع.
لقد كان للدين الإسلامي معجزات تستمر حتى آخر الزمن في هذا الصدد يشهد عليها كل صنوف الاعجاز العلمي والتقدم الحضاري والاكتشافات العلمية الحديثة .
ومنها في هذا المجال ان العلاقة الجنسية بين الزوجين لابد ان تقوم على الرضا والحب لذا شرع الدين الإسلامي مفهوم العدة و (العدة) للنساء للتأكد من خلو الرحم من جنين وانها مؤهله للصلح بين الزوجين.
وهذا صحيح ولكن هناك سببا آخر اكتشفه العلم الحديث وهو:
أن السائل الذكري يختلف من شخص الى آخر كما تختلف بصمة الاصبع وبصمة
وان لكل رجل شفره خاصه . لذلك فإن جميع ممارِسات مهنة الدعارة يصبن بسرطان الرحم .وذلك لاختلاف الشفرات .وان المرأة تحمل داخل جسدها كمبيوتر يختزن شفره الرجل الذى يعاشرها .واذا دخل على هذا الكمبيوتر اكثر من شفرة
يصاب بالخلل . ومع الدراسات المكثفة للوصول لحل او علاج لهذه المشكلة اكتشف ان المرأة تحتاج نفس مدة العدة التي شرعها الاسلام حتى تستطيع استقبال شفرة
جديده . كما فسر هذا الاكتشاف لماذا تتزوج المرأة رجلا واحدا ولا تعدد ازواجِ.. وهنا سأل العلماء سؤالا لماذا تختلف مدة العدة بين المطلقة والارملة.؟
اجريت الدراسات على المطلقات والارامل فأثبتت التحاليل ان الارملة تحتاج وقتا اطول من المطلقة لنسيان هذه الشفرة وذلك يرجع الى حالتها النفسية حيث تكون حزينة اكثر على فقدان زوجها وهى تكن له كل الحب عكس المطلقة في الغالب اذ لم تصب منه بضرر الطلاق بل توفاه الله.
فلذلك هي لا تستطيع نسيان ذلك الزوج الذي عاش معها حياة الحب والسعادة حياة الفرح
حياة الحب لأن من طبع المرأة الغريزي الوفاء والإخلاص لذلك الرجل وأن الخيانة طبع دخيل على صاحبة القلب الكبير .....
و هناك من ينظرون إلى الحب كسلوك اجتماعي فالإنسان مخلوق محب و الجماعة في حاجة إلى الحب لضمان استمرارها . فلابد من أداء وظيفة الحب من خلال الزواج و زيادة النسل لضمان بقاء الفرد و الجماعة .
إن الحب هو جماع ما في الوجود من تناقضات فرغم أن المحبين قد يميلون في الغالب إلى العزلة إلا أنه هو الذي يسمح لهم بفهم أنفسهم و العالم المحيط بهم.
إن الحب في الحقيقة أدق و أعمق من التملك لأنه يتطلب موافقة المحبوب . و لا شك أن الظفر بذلك يستلزم مطلق الحرية . فالحب لا يقهر المحبوب و لا يؤخذ غلابا !! وقد يكون أحد صوره القبول و الإيجاب ونهايته أو بدايته الزواج !! .
كل ذلك يشير إلى أهمية هذا الموضوع و الحاجة إلى المزيد من التناول و أكثر من ذلك المزيد من العمق في تناول جوانبه و غزارة و ثراء موضوعاته ... لكننا في النهاية نقول لابد للإنسان من أن يشبع هذه الحاجة النفسية و الاجتماعية بأشكالها المختلفة المقبولة لنضمن للجميع السواء و الاتجاه نحو الصحة النفسية و من ثم فإن هناك أدوارا والتزامات ومسؤوليات تقع على عاتق الأسرة والتربويين لإشباع هذه الحاجة وإتاحة الفرص لذلك لدى الشباب و الأزواج ... بل لدى البشر بجميع أشكالهم وأصنافهم لتضمن السواء و التوازن و السعادة للفرد و الجماعة .
1 التعليقات:
مواضيع كلها قيمة تسلم ايديكم
إرسال تعليق