تعديل

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

التوازن والوسطية : الطريق إلى الصحة النفسية بقلم : د /أيمن غريب قطب ناصر



يمكن القول أن التوازن و الوسطية هما هبة الله إلى الخلق جميعا وللإنسان لكي يحيا حياة سعيدة آمنة مطمئنة.
و لعل التوازن و الوسطية لا ينطبقان فقط على المعايير الشخصية و الاجتماعية بل هما من نعم الله على الكون كله في كافة مظاهره و أشكاله الطبيعية, فالمتأمل و الباحث في مظاهر الكون المختلفة يتبين له أن الله سبحانه و تعالى جعله متوازنا وسطا، كما جعل الدين الإسلامي و الأمة الإسلامية أمة وسطا و متوازنة أيضا . و لعل ذلك أيضا من أسرار بقاء هذا الكون و سعادة هذه الأمة. 

و المقابل لمفهوم التوازن والوسطية مفاهيم أخرى على النقيض منها في تأثيرها و في سلبيتها . و منها التطرف و العدوان و الإرهاب وهي مفاهيم زادت و انتشرت في الآونة الأخيرة على وجه التحديد وعم التباسها وأسيئ تفسيرها و تعدد ت استخداماتها في مواضع ليست ملائمة ولا مناسبة لذلك . 
إن سمتي التوازن و الوسطية و ما يؤديان إليه من تفاعلات لينعكسان على سلوك الإنسان و أنشطته المختلفة و يضفيان عليه هدوءا و استقرارا و سعادة و طمأنينة و أمنا .

و الأمر هنا يخضع إلى أن التوازن و الوسطية كسلوك تتمثل في عدم الإفراط أو التفريط و الإشباع دون نهم و عدم الحرمان بأشكاله. و كلها أشكال و مظاهر لذلك و كذلك بالنسبة للجانب الاجتماعي بما يمثله من سلوك اعتيادي أو مقبول و عدم السلبية أو التقوقع حول الذات أو الابتعاد عن الآخرين وإنما المشاركة و النفع و تبادل المصالح و التفاعل الايجابي أو على الأقل السير علي مبدأ لا ضرر و لا ضرار هو احد المبادئ الإسلامية القويمة .

و السلوك الغير عادي هو السلوك الشاّذ أو غير المقبول. و نحن نربط بين السلوك العادي أو المقبول و السلوك الصحي وبين الصحة النفسية ،إلا أنه في حقيقة الأمر يعد مظهرا من مظاهر الصحة النفسية . فالصحة النفسية هي الحالة النفسية العامة للفرد و السلوك العادي أحد مؤشرات توازنها. 

و لعله من المناسب أيضا أن نذكر أن هناك مؤشرات لهذا السلوك الاعتيادي أو المقبول شخصيا و اجتماعيا. فأحيانا يعتمد في ذلك بالنسبة للخصائص الطبيعية و بعض السمات الاجتماعية على خاصية التوزيع الاعتدالي حيث جعلها الله سبحانه و تعالى خاصية تتميز بها معظم الخصائص الطبيعية فنجدها تقع في المنتصف 

بالنسبة للغالبية العظمى و تقل هذه السمات كلما اتجهنا إلى الأطراف . و التطرف هنا قد يكون سلبيا في احد جوانبه مثل سمتي الذكاء أو الاجتماعية و هذا يتأثر بالطبع باختلاف الظواهر أو المظاهر موضع التحديد , اجتماعية كانت أو شخصية و نفسية وكذلك فإنها أمر نسبي بالنسبة الأفراد و الجماعات و مع مرور الأزمان كذلك. 

أما المعايير الاجتماعية للتوازن فهي ليست بالضرورة صادقة و إنما هي إذا ما صلحت الجماعة فيمكن أن تكون مؤشرا جيدا للصحة النفسية. فإذا ما اتفقت الجماعة على سلوك حسن و مقبول و اعتبرته من الأساليب الصحيحة و ساد هذا السلوك بالنسبة للمعايير الأخلاقية و الدينية والإنسانية و السلوك الإنساني العام ، كان معيارا مقبولا و معتدا به .ويتضمن ذلك مدى التزام الفرد بهذا السلوك وما يتوقعه من سلوك
اجتماعي مقبول مع الأخذ في الاعتبار طبعا الاختلافات أو التمايزات الاجتماعية والثقافية بين الأفراد والجماعات .

ولا يمكن أن يتم الوصول إلى طريق الصحة النفسية عبر التوازن والوسطية إلا من خلال توافر جوانب السلوك التكيفي الشخصي والاجتماعي والتي تتيح للفرد والجماعة تحقيق أقصى نمو وازدهار ونماء لإمكاناتهما وذلك بالطرق والوسائل الايجابية.
فلابد من إتاحة الفرص لكي يتكيف الفرد شخصيا واجتماعيا مع ما يلائمه ويناسبه من إمكانات وفرص شخصية واجتماعية تتيح له أقصى نمو ممكن واستثمار لإمكاناته الشخصية والاجتماعية ليتلاقيا في تحقيق ذاته .
أما إذا لم يتحقق ذلك فقد يتعرض الفرد لجوانب سلبية من السلوك مثل اللامبالاة والعدوانية والتعصب وأشكال من الشذوذ النفسي والاجتماعي.

إن التوازن والوسطية إذا ما تحققا كسمتي شخصية واجتماعية ليعدا هبة من الله للإنسان والجماعة معا لتحقيق الذات الشخصية والاجتماعية في تمازج وانسجام فريد ومن ثم الطريق إلى مظاهر وأشكال الصحة النفسية الايجابية والصحيحة . وهي بذلك تتفق مع مظاهر الطبيعة المختلفة المحيطة بالإنسان في كل مكان من هذا الكون الفسيح وما خلقه الله من سنن كونية واجتماعية تمكنان الفرد والجماعة من أن ينهضا وينموا نموا صحيحا وإتاحة الفرص للتعبير المبدع الخلاق ثقافيا واجتماعيا وفكريا في تمايز يسعد فيه الفرد والجماعة .


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More